نعرف جميعاً قصة الهبوط على سطح القمر في عام 1969، عندما مشى كُلّ من نيل أرمسترونغ وإدوين ألدرين على سطح القمر في إنجاز هائل أتاح للبشرية جمعاء فرصة رؤية الفضاء. ومنذ ذلك الوقت، أطلقنا العنان لمخيلتنا لتسافر لما بعد حدود السماء وتجعلنا واثقين من قُدرتنا كبشر على تحويل المستحيل إلى حقيقة. وبعد 52 عاماً، أتى دور مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" ليُسجل إنجازاً جديداً ويفسح المجال أمام مستويات جديدة من الحماسة في سائر أنحاء الشرق الأوسط. لقد فتح المشروع الباب أمام عالم كامل من الإمكانات الجديدة في قطاع الفضاء بالنسبة للمنطقة، ما أتاح الفرصة للأفراد والشركات على حد سواء لرفع سقف الطموحات لاستثمار الفرص الجديدة في هذا الميدان الهائل.
نعيش في وقتنا الراهن المرحلة الرابعة من رحلة البشر لاستكشاف الفضاء، حيث تقوم الشركات بدراسة القطاع بكامل تفاصيله والموارد المتاحة الكفيلة بتعزيز آفاق الفرص التجارية الماثلة فيه. وتبتكر الشركات المرموقة والناشئة، من مختلف الأحجام، طرقاً جديدة لدخول قطاع الفضاء ولعب دورها في هذه السوق المزدهرة؛ إذ لم تعد الحكومات الجهة المسؤولة حصرياً عن بناء وتطوير اقتصاد الفضاء المتنامي بعد الآن. بينما أسهم اهتمام شخصيات مُلهمة مثل بيل غيتس وإيلون ماسك ولاري بيج وجيف بيزوس وريتشارد برانسون بدخول هذا المجال في تعزيز معدلات الثقة بجدوى هذه التوجهات، ودفعت الجميع للتفكير بالشريحة الأمثل بالنسبة لهم للاستثمار في اقتصاد الفضاء الناشئ وسُبل بناء ميزتهم التنافسية في هذا المجال.
تستخدم الشركات البيانات الفضائية لتغيير الحالة القائمة وابتكار الحلول لمجموعة من أكثر التحديات التي تواجهها الأرض تعقيداً، مثل التغير المناخي والزراعة وسياحة الفضاء والتعدين وبناء المستوطنات والحد من الأثر البيئي والاكتظاظ الحضري. في هذا المقال، يسلط عماد جمعة، مؤسس ورئيس مجموعة جيه جروب، الضوء على الفرص التجارية الكامنة في الفضاء وما بعده.
1- سياحة الفضاء: نبدأ القائمة بأكثر عناصرها تشويقاً. فقد حلمنا جميعاً بالصعود على متن صاروخ والانطلاق نحو الفضاء والإقامة في فندق كوني فاخر ضمن المستوطنات المنشأة في المريخ أو حتى السفر نحو كوكب مجهول في مجرة بعيدة. وبرغم الاستثمارات الهائلة التي تخصصها الشركات لغرض تحقيق هذا الحلم الجامح إلى حقيقة، فما زلنا بحاجة إلى تحديد إطار وشكل الرحلات التي تنطوي عليها أنشطة سياحة الفضاء وتصميمها. ولا داعٍ للقلق حيال هذا بطبيعة الحال، فقد بدأت الشركات الرائدة في هذا المجال بإنجاز هذه المهمة.
2- مستوطنات الفضاء: يتمحور ثاني المواضيع أهميةً حول بناء المستوطنات في الفضاء. ونجد أنفسنا ملزمين بمراعاة العديد من النقاط الحساسة في حال كُنا نعتزم بناء مستوطنات سكنية في الفضاء، بدءاً من شكل العمارة والخدمات الأساسية والحوكمة والمبادئ التوجيهية والهيئات التنظيمية والحاجة إلى المزيد من رأس المال البشري عبر مُختلف المجالات، الأمر الذي يفتح الباب أمام مجالات جديدة للأعمال.
3-التصنيع في الفضاء: يُعد التصنيع الركيزة الأساسية لجميع القطاعات، سواءً على كوكب الأرض أم في الفضاء. وتتسم القدرة على تطوير وإنتاج المكونات الرئيسية لبناء وسائط النقل الفضائية وحتى المستوطنات الوظيفية عاملاً حاسماً للنجاح. غير أنّ نقل كُل قطعة من هذه المكونات على حدة إلى الفضاء لبناء المستوطنة ليس ممكناً من الناحية العملية. وهُنا يأتي دور التقنيات الحديثة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتي تزودنا بالحلول المبتكرة لتجاوز مثل هذه الصعوبات.
4- برامج الفضاء: ولا أقصد بها برامج الفضاء الدولية التي تقودها الحكومات، وإنّما مجموعة من المناهج المُدرجة كجزء من النظام التعليمي الحالي لتعريف جيل الشباب على العمليات والتعقيدات التي تُميّز أعماق الفضاء، بدلاً من الاعتماد على المعلومات التي يحصلون عليها من الموروث الثقافي من الأفلام والمسلسلات، والتي لا يُمكن تأكيد قابلية تصديقها من عدمها.
5- استدامة الفضاء: لن يكون أحد قادراً على إخراج القمامة خارج المنزل في الفضاء، حيث سنجد الكثير من المخلفات الفضائية. وتوجد حالياً العديد من المشاريع التي تدرس مسألة المخلفات في الفضاء، بحيث لا تتحول إلى خطر يُهدد حياة رواد الفضاء وسلامة الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض. ويعمل عدد من الشركات الناشئة بالفعل على تتبع الأقمار الاصطناعية التي تدور على ارتفاع منخفض من سطح الأرض وترسم مساراتها لتحديد فيما إذا كانت هُناك إمكانية لارتطام المخلفات الفضائية بأيّ من الأقمار. وبمقدور مشغلي الأقمار الاصطناعية الذين يشترون البيانات من هذه الشركات أن يُعدلوا مسارات رحلات الأقمار لتجنب أي حوادث اصطدام.
يزخر اقصاد الفضاء برصيد غير محدود وآخذ في التنامي من الفرص. ولا بد من فتح باب التعاون بين الدول والشركات وتطوير الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص لنكون قادرين على تحقيق القيمة والكشف عن مجالات النمو الجديدة.